دفاع (1) معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ،
فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن
نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها(2) ولا مظنة إلا قصدها ، قد
أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث حل ثقله ، وينزل حيث كان منزله.
وآخرقد تسمى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال ،
ونصب للناس أشراكا من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف
الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها
وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ،
لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، فذلك ميت الاحياء ، فأين
تذهبون؟ وأنى تؤفكون؟ والاعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة. إلى
آخر الخطبة.
بيان : فاستشعر الحزن أى جعله شعارا له. وتجلبب الخوف أى جعله جلبابا ،
وهو ثوب يشمل البدن. فزهر أى أضاء. والقرى : الضيافة. فقرب على نفسه البعيد أى مثل
الموت بين عينيه. وهون الشديد أى الموت ورضي به واستعد له ، أوالمراد بالبعيد أمله
الطويل ، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت. وهون الشديد أى كلف نفسه الرياضة على
المشاق من الطاعات ، وقيل : اريد بالبعيد رحمة الله أى جعل نفسه مستعدة لقبولها بالقربات
وبالشديد عذاب الله فهونه بالاعمال الصالحة ، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما
اعد له من الثواب. نظر أى بعينه فاعتبر ، أو بقلبه فأبصر الحق. من عذب فرات أى العلوم
الحقه ، والكلمات الحقيقية ، وقيل : من حب الله. فشرب نهلا أى شربا أولا سابقا
على أمثاله. سبيلا جددا أى لا غبار فيه ولا وعث. والسربال : القميص. والردى : الهلاك
وقطع غماره أى ماكان مغمورا فيه من شدائد الدنيا.من إصدار كل وارد عليه أى هداية
الناس. وأنى تؤفكون أى تصرفون.
____________________
(1) بفتح الدال وتشديد الفاء : كثيرالدفع.
(2) أى قصدها.
37 ـ نهج : قال أميرالمؤمنين 7 : العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلا
أن لايعرف قدره ، وإن أبغض الرجال إلى الله العبد وكله الله إلى نفسه جائرا عن قصد
السبيل سائرا ، إن دعي إلى حرث الدنيا عمل ، وإلى حرث الآخرة كسل ، كأن ماعمل
له واجب عليه ، وكأن ماونى فيه ساقط عنه.
بيان : قال ابن ميثم : من عرف قدره أى مقداره ومنزلته بالنسبة إلى مخلوقات الله
تعالى ، وأنه أي شئ منها ، ولاي شئ خلق ، وماطوره المرسوم في كتاب ربه ، وسنن
أنبيائه. وكأن ماونى فيه أى مافترفيه وضعف عنه.
38 ـ كنز الكراجكى : قال أميرالمؤمنين 7 : رأس العلم الرفق ، وآفته
الخرق(1).
39 ـ وقال 7 : زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق.
40 ـ وقال 7 : الآداب تلقيح الافهام ، ونتائج الاذهان.
وقال ; من عجيب مارأيت واتفق لي أني توجهت يوما لبعض أشغالي وذلك
بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وأربعمائة ، فصحبني في طريقي رجل
كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث ، فمررنا في بعض الاسواق بغلام حدث(2) ، فنظر إليه
صاحبي نظرا استربت منه ، ثم انقطع عني ومال إليه وحادثه ، فالتفتت انتظارا له فرأيته
يضاحكه ، فلما لحق بي عذلته(3) على ذلك ، وقلت له : لايليق هذا بك فما كان بأسرع
من أن وجدنا بين أرجلنا في الارض ورقة مرمية ، فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله
تعالى ، فوجدتها قديمة فيها خط رقيق قد اندرس بعضه وكأنها مقطوعة من كتاب فتأملتها ،
فإذا فيها حديث ذهب أوله وهذه نسخته : قال : إني أنا أخوك في الاسلام ، ووزيرك
في الايمان ، وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ، ولست أقبل فيه العذر
منك ، قال : وماهو؟ حتى أرجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه ، قال : رأيتك تضاحك حدثا
غرا جاهلا بامورالله ومايجب من حدود الله ، وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب
____________________
(1) بضم الخاء وسكون الراء وفتحهما : ضد المرفق.
(2) اى شاب.
(3) أى لمته.
من العلم ، وإنماأنت بمنزلة رجل من الصديقين ، لانك تقول : حدثنا فلان ، عن فلان ،
عن رسول الله 9 ، عن جبرئيل ، عن الله ، فيسمعه الناس منك ويكتبونه عنك ويتخذونه
دينا يعولون عليه ، وحكما ينتهون إليه ، وإنما أنهاك أن تعود لمثل الذي كنت عليه ،
فإني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ، ويعذب فساق حملة القرآن
قبل الكافرين. فما رأيت حالا أعجب من حالنا ، ولاعظة أبلغ مما اتفق لنا ، ولما وقف
صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها لطف الله تعالى لنا ، وحدثني بعدذلك أنه
انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله.
41 ـ عدة : في قول الله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء. قال : يعني من
يصدق قوله فعله ، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم.
42 ـ منية المريد : عن أبي عبدالله 7 قال : كان أميرالمؤمنين 7 يقول : إن
للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت. وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من
فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة(1).
(باب 12)
*(آداب التعليم)*
الايات ، الكهف : قال لاتؤاخذني بمانسيت ولاترهقني من أمري عسرا 73
1 ـ ما : أبوالمفضل الشيباني ، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن العباد ، عن
محمد بن عبدالجبار السدوسي ، عن علي بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الاسود
الدئلي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي حرب بن أبي الاسود ، عن أبيه أبي الاسود
أن رجلا سأل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 عن سؤال فبادر فدخل منزله
ثم خرج فقال : أين السائل؟ فقال الرجل : ها ، أنا يا أميرالمؤمنين قال : مامسألتك؟
قال : كيت وكيت ، فأجابه عن سؤاله ، فقيل : يا أميرالمؤمنين كنا عهدناك إذا سئلت
عن المسألة كنت فيها كالسكة المحماة جوابا ، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا
____________________
(1) أى يعاونهم.
الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فأجبته؟ فقال : كنت حاقنا ولا رأى لثلاثة :
لا رأى لحاقن ، ولا حازق ، ثم أنشأ يقول :
بيان : قال الفيروز آبادي : كيت وكيت ويكسر آخرهما ، أى كذا وكذا
والتاء فيهما هاء في الاصل. والسكة : المسمار ، والمراد هنا الحديدة التي يكوى بها ،
وهذا كالمثل في السرعة في الامر ، أى كالحديدة التي حميت في النار كيف يسرع في النفوذ
في الوبر عند الكى ، كذلك كنت تسرع في الجواب ، وسيأتي في الاخبار : كالمسمار المحمرة
في الوبر. قوله 7 لا رأى لثلاثة الظاهر أنه سقط أحد الثلاثة من النساخ وهو الحاقب
قال الجزرى : فيه لا رأى لحازق الحازق : الذي ضاق عليه خفه فخرق رجله ، أى عصرها
وضغطها ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، ومنه الحديث الآخر : لايصلي وهو حاقن أو حاقب
أو حازق ، وقال في حقب : فيه لارأى لحاقب ولا لحاقن الحاقب : الذي احتاج إلى الخلاء
فلم يتبرز فانحصر غائطه ، وقال في حقن : فيه لارأى لحاقن هوالذي حبس بوله كالحاقب
للغائط انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بالحاقن هنا حابس الاخبثين فهو في موضع إثنين
منهما ، ويقال : تصدى له أى تعرض.
وقوله : إن برقت ، أى تلالات وظهرت. في مخيل الصواب أى في محل تخيل
الامر الحق أو التفكر في تحصيل الصواب من الرأى ، وعمياء فاعل برقت وهي المسألة
____________________
(1) وفى نسخة : الفكر.
(2) وفى نسخة : وماذا الخبر.
المشتبهة التي يشكل استعلامها ، يقال : عمي عليه الامر إذا التبس ، ويقال : اجتليت
العروس إذا نظرت إليها مجلوة ، والمراد بالبصر بصرالقلب ، وقوله : مقنعة صفة اخرى
لعمياء ، أو حال عنها أى مستورة بالامور المغيبة المستورة عن عقول الخلق ، وقال الجزري :
في حديث علي 7 : إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان ، الشقشقة : الجلدة
الحمراء التي يخرجها الجمل العربي من جوفه ينفخ فيها فتظهر من شدقه ، ولايكون
إلا للعربي ، كذا قال الهروي ، وفيه نظر شبه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر و
لسانه بشقشقته. ثم قال : ومنه حديث علي 7 في خطبة له ، تلك شقشقة هدرت
ثم قرت. ويروى له شعر فيه : لسانا كشقشقة الارحبي أو كالحسام اليمان الذكر انتهى.
فقوله 7 : لسانا لعله مفعول فعل محذوف أى اظهر أو اخرج أو اعطيت ، ويحتمل
عطفها على صحيح الفكر ، فحذف العاطف للضرورة ، وقال الفيروز آبادي : بنو رحب
محركة بطن من همدان ، وأرحب قبيلة منهم أو محل أومكان ، ومنه النجائب الارحبيات
انتهى. فشبه 7 لسانه بشقشقة الفحل الارحبي النجيب. وفي النهاية : كالحسام اليمان
أى السيف اليمنى فإن سيوف اليمن كانت مشهورة بالجودة ، وفي المنقول عنه : البتار
قال الفيروز آبادي : البتر : القطع أو مستأصلا ، وسيف باتر وبتارو بتار كغراب وقال :
الذكر : أيبس الحديد وأجوده ، وهو أذكر منه : أحد. والمذكر من السيف ذو الماء. فتارة
اخرى شبه 7 لسانه بالسيف القاطع الاصيل الحديد الذي هو في غاية الجودة ، و
قوله 7 : أربى أى زاد وضاعف عليها أى كائنا على الهموم. بواهي الدرر جمع باهية من
البهاء بمعنى الحسن أى الدرر الحسنة ، وهي مفعول أربى وفاعله الضمير الراجع إلى
القلب.
وقوله : مدرب الاصغرين في بعض النسخ بالذال المعجمة ، يقال : في لسانه
ذرابة أى حدة وفي بعضها بالدال المهملة ، قال الفيروز آبادى : المدرب كمعظم :
؟؟ ، المجرب. والذربة بالضم : عادة وجرأة على الامر ، وقال : الاصغران : القلب
واللسان. وفي بعض النسخ : أقيس بما قد مضى ماغبر.
2 ـ غو ، ل ، ف : في خبرالحقوق عن زين العابدين 7 قال : وأما حق رعيتك
بالعلم فأن تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم ، وفتح لك
من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من
فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم كان حقا على الله
عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك.
بيان : الخرق : ترك الرفق ، والغلظة ، والسفاهة. والضجر : التبرم وضيق القلب
عن كثرة السؤال.
3 ـ أقول : وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبائي ; نقلا من خط الشهيد1 ، عن يوسف بن جابر ، عن أبي جعفر الباقر 7 قال : لعن رسول الله 9
من نظر إلى فرج إمرأة لاتحل له ، ورجلا خان أخاه في إمرأته ، ورجلا احتاج الناس
إليه ليفقههم فسألهم الرشوة.
4 ـ الدرة الباهرة : قال الصادق 7 : من أخلاق الجاهل الاجابة قبل أن
يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم.
5 ـ منية المريد : عن محمد بن سنان رفعه قال : قال عيسى بن مريم 7 : يا معشر
الحواريين(1) لي إليكم حاجة فاقضوها لي. قالوا : قضيت حاجتك يا روح الله ، فقام فغسل
أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن أحق بهذا ياروح الله ، فقال : إن أحق الناس بالخدمة العالم ،
إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ، ثم قال عيسى 7 :
بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، كذلك في السهل ينبت الزرع لافي الجبل.
6 ـ وعن أبي عبدالله 7 في هذه الآية : ولا تصعر خدك للناس. قال : ليكن
الناس عندك في العلم سواء.
7 ـ وعن النبي 9 لينوا تعلمون ولمن تتعلمون منه.
8 ـ وقال رسول الله 9 لاصحابه : إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من
أقطار الارض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا.
9 ـ وقال ; : يدعو عند خروجه مريدا للدرس بالدعاء المروي عن النبي 9 ____________________
(1) حوارى الرجل : خاصته وناصره وخليله.
اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو اضل ، وأزل أو ازل ، وأظلم أو اظلم ، وأجهل أو يجهل
علي ، عز جارك ، وتقدست أسماؤك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك. ثم يقول : بسم الله ،
حسبي الله ، توكلت على الله ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللهم ثبت جناني ،
وأدر الحق على لساني.
فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن
نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها(2) ولا مظنة إلا قصدها ، قد
أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث حل ثقله ، وينزل حيث كان منزله.
وآخرقد تسمى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضلال ،
ونصب للناس أشراكا من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف
الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها
وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ،
لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، فذلك ميت الاحياء ، فأين
تذهبون؟ وأنى تؤفكون؟ والاعلام قائمة ، والآيات واضحة ، والمنار منصوبة. إلى
آخر الخطبة.
بيان : فاستشعر الحزن أى جعله شعارا له. وتجلبب الخوف أى جعله جلبابا ،
وهو ثوب يشمل البدن. فزهر أى أضاء. والقرى : الضيافة. فقرب على نفسه البعيد أى مثل
الموت بين عينيه. وهون الشديد أى الموت ورضي به واستعد له ، أوالمراد بالبعيد أمله
الطويل ، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت. وهون الشديد أى كلف نفسه الرياضة على
المشاق من الطاعات ، وقيل : اريد بالبعيد رحمة الله أى جعل نفسه مستعدة لقبولها بالقربات
وبالشديد عذاب الله فهونه بالاعمال الصالحة ، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما
اعد له من الثواب. نظر أى بعينه فاعتبر ، أو بقلبه فأبصر الحق. من عذب فرات أى العلوم
الحقه ، والكلمات الحقيقية ، وقيل : من حب الله. فشرب نهلا أى شربا أولا سابقا
على أمثاله. سبيلا جددا أى لا غبار فيه ولا وعث. والسربال : القميص. والردى : الهلاك
وقطع غماره أى ماكان مغمورا فيه من شدائد الدنيا.من إصدار كل وارد عليه أى هداية
الناس. وأنى تؤفكون أى تصرفون.
____________________
(1) بفتح الدال وتشديد الفاء : كثيرالدفع.
(2) أى قصدها.
37 ـ نهج : قال أميرالمؤمنين 7 : العالم من عرف قدره ، وكفى بالمرء جهلا
أن لايعرف قدره ، وإن أبغض الرجال إلى الله العبد وكله الله إلى نفسه جائرا عن قصد
السبيل سائرا ، إن دعي إلى حرث الدنيا عمل ، وإلى حرث الآخرة كسل ، كأن ماعمل
له واجب عليه ، وكأن ماونى فيه ساقط عنه.
بيان : قال ابن ميثم : من عرف قدره أى مقداره ومنزلته بالنسبة إلى مخلوقات الله
تعالى ، وأنه أي شئ منها ، ولاي شئ خلق ، وماطوره المرسوم في كتاب ربه ، وسنن
أنبيائه. وكأن ماونى فيه أى مافترفيه وضعف عنه.
38 ـ كنز الكراجكى : قال أميرالمؤمنين 7 : رأس العلم الرفق ، وآفته
الخرق(1).
39 ـ وقال 7 : زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق.
40 ـ وقال 7 : الآداب تلقيح الافهام ، ونتائج الاذهان.
وقال ; من عجيب مارأيت واتفق لي أني توجهت يوما لبعض أشغالي وذلك
بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وأربعمائة ، فصحبني في طريقي رجل
كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث ، فمررنا في بعض الاسواق بغلام حدث(2) ، فنظر إليه
صاحبي نظرا استربت منه ، ثم انقطع عني ومال إليه وحادثه ، فالتفتت انتظارا له فرأيته
يضاحكه ، فلما لحق بي عذلته(3) على ذلك ، وقلت له : لايليق هذا بك فما كان بأسرع
من أن وجدنا بين أرجلنا في الارض ورقة مرمية ، فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله
تعالى ، فوجدتها قديمة فيها خط رقيق قد اندرس بعضه وكأنها مقطوعة من كتاب فتأملتها ،
فإذا فيها حديث ذهب أوله وهذه نسخته : قال : إني أنا أخوك في الاسلام ، ووزيرك
في الايمان ، وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ، ولست أقبل فيه العذر
منك ، قال : وماهو؟ حتى أرجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه ، قال : رأيتك تضاحك حدثا
غرا جاهلا بامورالله ومايجب من حدود الله ، وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب
____________________
(1) بضم الخاء وسكون الراء وفتحهما : ضد المرفق.
(2) اى شاب.
(3) أى لمته.
من العلم ، وإنماأنت بمنزلة رجل من الصديقين ، لانك تقول : حدثنا فلان ، عن فلان ،
عن رسول الله 9 ، عن جبرئيل ، عن الله ، فيسمعه الناس منك ويكتبونه عنك ويتخذونه
دينا يعولون عليه ، وحكما ينتهون إليه ، وإنما أنهاك أن تعود لمثل الذي كنت عليه ،
فإني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ، ويعذب فساق حملة القرآن
قبل الكافرين. فما رأيت حالا أعجب من حالنا ، ولاعظة أبلغ مما اتفق لنا ، ولما وقف
صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها لطف الله تعالى لنا ، وحدثني بعدذلك أنه
انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله.
41 ـ عدة : في قول الله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء. قال : يعني من
يصدق قوله فعله ، ومن لم يصدق قوله فعله فليس بعالم.
42 ـ منية المريد : عن أبي عبدالله 7 قال : كان أميرالمؤمنين 7 يقول : إن
للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت. وللمتكلف ثلاث علامات : ينازع من
فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة(1).
(باب 12)
*(آداب التعليم)*
الايات ، الكهف : قال لاتؤاخذني بمانسيت ولاترهقني من أمري عسرا 73
1 ـ ما : أبوالمفضل الشيباني ، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن العباد ، عن
محمد بن عبدالجبار السدوسي ، عن علي بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الاسود
الدئلي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أبي حرب بن أبي الاسود ، عن أبيه أبي الاسود
أن رجلا سأل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب 7 عن سؤال فبادر فدخل منزله
ثم خرج فقال : أين السائل؟ فقال الرجل : ها ، أنا يا أميرالمؤمنين قال : مامسألتك؟
قال : كيت وكيت ، فأجابه عن سؤاله ، فقيل : يا أميرالمؤمنين كنا عهدناك إذا سئلت
عن المسألة كنت فيها كالسكة المحماة جوابا ، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا
____________________
(1) أى يعاونهم.
الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فأجبته؟ فقال : كنت حاقنا ولا رأى لثلاثة :
لا رأى لحاقن ، ولا حازق ، ثم أنشأ يقول :
إذا المشكلات تصدين لي | كشفت حقائقها بالنظر | |
وإن برقت في مخيل الصواب | عمياء لا يجتليها البصر | |
مقنعة بغيوب الامور | وضعت عليها صحيح النظر(1) | |
لسانا كشقشقة الارحبي | أو كالحسام البتار الذكر | |
وقلبا إذا استنطقته الهموم | أربى عليها بواهي الدرر | |
ولست بإمعة في الرجال | اسائل هذا وذا ماالخبر؟(2) | |
ولكنني مدرب الاصغرين | ابين مع مامضى ماغبر |
والتاء فيهما هاء في الاصل. والسكة : المسمار ، والمراد هنا الحديدة التي يكوى بها ،
وهذا كالمثل في السرعة في الامر ، أى كالحديدة التي حميت في النار كيف يسرع في النفوذ
في الوبر عند الكى ، كذلك كنت تسرع في الجواب ، وسيأتي في الاخبار : كالمسمار المحمرة
في الوبر. قوله 7 لا رأى لثلاثة الظاهر أنه سقط أحد الثلاثة من النساخ وهو الحاقب
قال الجزرى : فيه لا رأى لحازق الحازق : الذي ضاق عليه خفه فخرق رجله ، أى عصرها
وضغطها ، وهو فاعل بمعنى مفعول ، ومنه الحديث الآخر : لايصلي وهو حاقن أو حاقب
أو حازق ، وقال في حقب : فيه لارأى لحاقب ولا لحاقن الحاقب : الذي احتاج إلى الخلاء
فلم يتبرز فانحصر غائطه ، وقال في حقن : فيه لارأى لحاقن هوالذي حبس بوله كالحاقب
للغائط انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بالحاقن هنا حابس الاخبثين فهو في موضع إثنين
منهما ، ويقال : تصدى له أى تعرض.
وقوله : إن برقت ، أى تلالات وظهرت. في مخيل الصواب أى في محل تخيل
الامر الحق أو التفكر في تحصيل الصواب من الرأى ، وعمياء فاعل برقت وهي المسألة
____________________
(1) وفى نسخة : الفكر.
(2) وفى نسخة : وماذا الخبر.
المشتبهة التي يشكل استعلامها ، يقال : عمي عليه الامر إذا التبس ، ويقال : اجتليت
العروس إذا نظرت إليها مجلوة ، والمراد بالبصر بصرالقلب ، وقوله : مقنعة صفة اخرى
لعمياء ، أو حال عنها أى مستورة بالامور المغيبة المستورة عن عقول الخلق ، وقال الجزري :
في حديث علي 7 : إن كثيرا من الخطب من شقاشق الشيطان ، الشقشقة : الجلدة
الحمراء التي يخرجها الجمل العربي من جوفه ينفخ فيها فتظهر من شدقه ، ولايكون
إلا للعربي ، كذا قال الهروي ، وفيه نظر شبه الفصيح المنطيق بالفحل الهادر و
لسانه بشقشقته. ثم قال : ومنه حديث علي 7 في خطبة له ، تلك شقشقة هدرت
ثم قرت. ويروى له شعر فيه : لسانا كشقشقة الارحبي أو كالحسام اليمان الذكر انتهى.
فقوله 7 : لسانا لعله مفعول فعل محذوف أى اظهر أو اخرج أو اعطيت ، ويحتمل
عطفها على صحيح الفكر ، فحذف العاطف للضرورة ، وقال الفيروز آبادي : بنو رحب
محركة بطن من همدان ، وأرحب قبيلة منهم أو محل أومكان ، ومنه النجائب الارحبيات
انتهى. فشبه 7 لسانه بشقشقة الفحل الارحبي النجيب. وفي النهاية : كالحسام اليمان
أى السيف اليمنى فإن سيوف اليمن كانت مشهورة بالجودة ، وفي المنقول عنه : البتار
قال الفيروز آبادي : البتر : القطع أو مستأصلا ، وسيف باتر وبتارو بتار كغراب وقال :
الذكر : أيبس الحديد وأجوده ، وهو أذكر منه : أحد. والمذكر من السيف ذو الماء. فتارة
اخرى شبه 7 لسانه بالسيف القاطع الاصيل الحديد الذي هو في غاية الجودة ، و
قوله 7 : أربى أى زاد وضاعف عليها أى كائنا على الهموم. بواهي الدرر جمع باهية من
البهاء بمعنى الحسن أى الدرر الحسنة ، وهي مفعول أربى وفاعله الضمير الراجع إلى
القلب.
وقوله : مدرب الاصغرين في بعض النسخ بالذال المعجمة ، يقال : في لسانه
ذرابة أى حدة وفي بعضها بالدال المهملة ، قال الفيروز آبادى : المدرب كمعظم :
؟؟ ، المجرب. والذربة بالضم : عادة وجرأة على الامر ، وقال : الاصغران : القلب
واللسان. وفي بعض النسخ : أقيس بما قد مضى ماغبر.
2 ـ غو ، ل ، ف : في خبرالحقوق عن زين العابدين 7 قال : وأما حق رعيتك
بالعلم فأن تعلم أن الله عزوجل إنما جعلك قيما لهم فيما آتاك من العلم ، وفتح لك
من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من
فضله ، وإن أنت منعت الناس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم كان حقا على الله
عزوجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلك.
بيان : الخرق : ترك الرفق ، والغلظة ، والسفاهة. والضجر : التبرم وضيق القلب
عن كثرة السؤال.
3 ـ أقول : وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبائي ; نقلا من خط الشهيد1 ، عن يوسف بن جابر ، عن أبي جعفر الباقر 7 قال : لعن رسول الله 9
من نظر إلى فرج إمرأة لاتحل له ، ورجلا خان أخاه في إمرأته ، ورجلا احتاج الناس
إليه ليفقههم فسألهم الرشوة.
4 ـ الدرة الباهرة : قال الصادق 7 : من أخلاق الجاهل الاجابة قبل أن
يسمع ، والمعارضة قبل أن يفهم ، والحكم بما لا يعلم.
5 ـ منية المريد : عن محمد بن سنان رفعه قال : قال عيسى بن مريم 7 : يا معشر
الحواريين(1) لي إليكم حاجة فاقضوها لي. قالوا : قضيت حاجتك يا روح الله ، فقام فغسل
أقدامهم ، فقالوا : كنا نحن أحق بهذا ياروح الله ، فقال : إن أحق الناس بالخدمة العالم ،
إنما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم ، ثم قال عيسى 7 :
بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبر ، كذلك في السهل ينبت الزرع لافي الجبل.
6 ـ وعن أبي عبدالله 7 في هذه الآية : ولا تصعر خدك للناس. قال : ليكن
الناس عندك في العلم سواء.
7 ـ وعن النبي 9 لينوا تعلمون ولمن تتعلمون منه.
8 ـ وقال رسول الله 9 لاصحابه : إن الناس لكم تبع وإن رجالا يأتونكم من
أقطار الارض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا.
9 ـ وقال ; : يدعو عند خروجه مريدا للدرس بالدعاء المروي عن النبي 9 ____________________
(1) حوارى الرجل : خاصته وناصره وخليله.
اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو اضل ، وأزل أو ازل ، وأظلم أو اظلم ، وأجهل أو يجهل
علي ، عز جارك ، وتقدست أسماؤك ، وجل ثناؤك ، ولا إله غيرك. ثم يقول : بسم الله ،
حسبي الله ، توكلت على الله ، ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، اللهم ثبت جناني ،
وأدر الحق على لساني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق